في المنظومة العدلية، تحظى قضايا الأسرة باهتمام خاص لما تمثّله من أهمية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والأسري، وحماية الحقوق بين أطراف العلاقة الزوجية. ومن بين هذه القضايا، تأتي القضايا التي ترفعها الزوجة ضد الزوج كوسيلة مشروعة تطالب من خلالها بحقوقها النظامية، وتلجأ فيها إلى القضاء لإنصافها في حال تعرّضها لظلم أو ضرر. سواء تعلّق الأمر بالنفقة، أو الهجر، أو العنف، أو الطلاق، فإن القانون السعودي يمنح الزوجة أدوات متعددة لحماية كيانها الأسري والإنساني.
في هذا المقال، نستعرض أبرز القضايا التي يحق للزوجة رفعها ضد زوجها أمام القضاء السعودي، مع تسليط الضوء على الحقوق النظامية للزوجة، والضوابط التي تحكم هذه الدعاوى، والحلول التي توفرها محاكم الأحوال الشخصية.
القضايا التي ترفعها الزوجة ضد الزوج في السعودية
المرأة المتزوجة في السعودية يمكنها رفع عدد من القضايا ضد زوجها متى ما تعرضت لضرر فعلي أو تهديد بحقوقها المشروعة، ومن أبرز تلك القضايا:
دعوى الطلاق أو الفسخ أو الخلع
قد تلجأ الزوجة إلى المحكمة لطلب الطلاق عند استحالة استمرار الحياة الزوجية بسبب الضرر النفسي أو الجسدي، مثل الإهانة أو الضرب أو الإهمال أو الخيانة. وفي حال لم يثبت الضرر، يمكنها المطالبة بالخلع مقابل رد المهر. أما في حالات العيوب المستحكمة في الزوج أو غيابه الطويل أو إدمانه، فيجوز للزوجة طلب فسخ النكاح بدون عوض.
دعوى المطالبة بالنفقة
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق، سواء في حال استمرار الحياة الزوجية أو بعد الطلاق، يمكن للزوجة رفع دعوى نفقة للمطالبة بما يكفيها وأولادها من المأكل، والملبس، والمسكن، والعلاج، والتعليم. وتشمل الدعوى المطالبة بالنفقة الماضية، والمستقبلية، ونفقة الأولاد.
دعوى الحضانة
في حال حدوث طلاق، يحق للزوجة طلب الحضانة إذا كانت الأصلح لرعاية الأبناء، شريطة توفر الشروط النظامية، مثل الاستقامة، وعدم الزواج من أجنبي، وعدم وجود مانع صحي أو سلوكي.
دعوى إثبات الهجر
الهجر المتعمد دون مبرر مشروع يعد نوعًا من أنواع الضرر الذي يجيز للزوجة رفع دعوى لإثباته، والمطالبة إما بالطلاق، أو النفقة، أو الاثنين معًا.
دعوى إثبات العنف الأسري
يمكن للزوجة رفع دعوى ضد الزوج في حال تعرضها لأي نوع من العنف الجسدي أو النفسي، ويشمل ذلك الإهانة، التهديد، الضرب، أو الحرمان من الحقوق. ويعد هذا النوع من الدعاوى محل متابعة من قبل النيابة العامة والجهات المختصة بالحماية الاجتماعية.
دعوى إثبات النكاح
إذا تزوج الرجل المرأة زواجا غير موثق وامتنع عن إثبات الزواج رسميا، يحق للزوجة رفع دعوى لإثبات العلاقة الزوجية والمطالبة بحقوقها الكاملة.
كما يمكن للزوجة رفع عدد من القضايا الأخرى على الزوج تتمثل في تثبيت الخلع، أو دعوى لتأكيد حالة الرضاع، وتقديم قضية من أجل الطعن بأجر الرضاع أو الحضانة وغيرها.
حقوق الزوجة في محكمة الأسرة
محاكم الأحوال الشخصية في السعودية تختص بالنظر في جميع القضايا التي تمس العلاقة الزوجية، وتضمن للمرأة المتزوجة جملة من الحقوق النظامية، من أبرزها:
- حق السكنى والنفقة: يلتزم الزوج بتوفير المسكن والنفقة للزوجة وفق حاله.
- حق العدالة والمساواة: تضمن الأنظمة العدلية عدم التمييز، وتمكين المرأة من الحصول على حقوقها دون عوائق.
- حق المطالبة بحضانة الأولاد: متى ما توافرت الشروط النظامية، تكون الحضانة للزوجة باعتبارها الأجدر في رعاية الأطفال.
- حق اللجوء إلى القضاء مباشرة: دون الحاجة لموافقة ولي أمر أو وجود وسيط.
- حق الترافع والتوثيق الإلكتروني: عبر منصة ناجز التابعة لوزارة العدل، مما ييسّر وصول المرأة للعدالة.
مستحقات الزوجة إذا طلبت الطلاق
عند طلب الزوجة الطلاق، يختلف تحديد مستحقاتها باختلاف نوع الطلاق وظروفه:
في حال الطلاق بإرادة الزوج
- تستحق العدة والنفقة خلالها، وتستمر لمدة ثلاث حيضات إن كانت تحيض، أو ثلاثة أشهر لغير الحائض، أو حتى وضع الحمل للحامل.
- إن كان هناك أبناء، تستحق أجرة الحضانة، ونفقة الأبناء، وأجرة المسكن.
- إذا ثبت تعسف الزوج في الطلاق دون مبرر، يمكن للمحكمة أن تلزمه بـتعويض عادل وفقًا لتقدير القاضي.
في حال الخلع
- تتنازل الزوجة غالبًا عن المهر، أو عن جزء منه، مقابل الخلع.
- لا تستحق نفقة عدة لأنها لا تكون معتدة إلا إن كانت حاملًا.
في حال فسخ النكاح
- إذا كان الفسخ بسبب عيب في الزوج أو ضرر، تحتفظ الزوجة بكامل حقوقها المالية.
حالات إسقاط النفقة عن الزوجة
رغم أن النفقة واجبة على الزوج تجاه زوجته، إلا أن النظام السعودي يجيز إسقاط النفقة في بعض الحالات:
- النشوز: إذا ثبت امتناع الزوجة عن طاعة زوجها دون مسوّغ شرعي، كرفض الإقامة في منزله أو مغادرته دون إذنه، تُسقط نفقتها.
- الغياب دون عذر: في حال غابت الزوجة عن بيت الزوجية دون سبب مقبول، يمكن للزوج إثبات ذلك والمطالبة بإسقاط النفقة.
- الإسراف أو التبذير: إذا ثبت أن الزوجة تهدر مال الزوج أو تعرضه للخسائر المالية، قد يؤثر ذلك في قرار المحكمة بشأن النفقة.
- رفض إثبات الزواج أو الإنجاب في حالات الطعن: إذا رفضت الزوجة إجراء فحوصات إثبات النسب أو الامتناع عن توثيق الزواج.
- تحفظ الزوجه على نفسها : وتجنب الزوج لفترة دون وجود سبب شرعي.
أهمية استشارة محامي أحوال شخصية
لأن القضايا الأسرية تمس الجوانب الحساسة من حياة المرأة، فإن اللجوء لمحامي أحوال الشخصية متخصص يساعد في تبسيط الإجراءات، وتوجيه الزوجة نحو المطالب المشروعة، وتقديم النصح القانوني المناسب لحالتها، بما يحفظ لها كرامتها وحقوقها.
محامو الأحوال الشخصية لديهم الخبرة في التعامل مع القضايا التي تشمل:
- الطلاق والخلع والفسخ.
- النفقة والحضانة والرؤية.
- إثبات النسب والزواج والهجر والعنف.
- طلب التعويض وإثبات الضرر.
وغالبًا ما يتطلب الأمر إعداد مذكرات قانونية دقيقة، وتقديم الإثباتات، والترافع أمام المحكمة، وهي أمور يصعب على غير المتخصص القيام بها بمفرده.
متى يحق للزوجة رفع دعوى طلاق؟
يحق للزوجة التقدم بدعوى طلاق عند تحقق أحد الأسباب التالية:
- ثبوت الضرر: كالعنف أو الهجر أو التعرض للمعاملة السيئة أو الإهمال.
- عدم الإنفاق : في حال امتناع الزوج عن الإنفاق وعدم تأمين احتياجات زوجته رغم قدرته.
- الغيبة الطويلة: كأن يغيب الزوج مدة تتجاوز 6 أشهر دون عذر.
- الإدمان أو السلوكيات الخطرة: كتعاطي المخدرات أو ارتكاب الجرائم.
- عدم المعاشرة بالمعروف: أي انعدام التفاهم، والتقصير في المعاشرة الزوجية والاحترام المتبادل.
- معاناة الزوج من مرض يعيقه من المشاركة في الحياة الزوجية.
وتقدم الدعوى عبر بوابة وزارة العدل ناجز، وتُرفق معها الوثائق الداعمة، مثل عقد النكاح، أو تقارير طبية، أو شهود، أو محاضر رسمية.
كيف يمكن إثبات هجر الزوج لزوجته؟
إثبات الهجر يعد أمرًا جوهريًا في دعاوى الطلاق والنفقة، ويمكن إثباته عبر:
- شهادة الشهود: من الجيران أو الأقارب الذين يقرون بعدم تواجد الزوج.
- مراسلات إلكترونية: مثل الرسائل التي تثبت الهجر، أو الإهمال المتكرر.
- تقارير الجهات المختصة: مثل مراكز الحماية أو الشرطة.
- محاضر الامتناع عن النفقة: الصادرة عن محاكم التنفيذ.
وغالبًا ما تعتمد المحكمة على قرائن متعددة قبل إصدار الحكم، وتأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والإنسانية للطرفين.
في الختام
القضايا التي ترفعها الزوجة ضد الزوج في السعودية ليست مجرد نزاعات أسرية، بل هي وسيلة نظامية لاسترداد الحقوق، وتحقيق العدالة، ومنع الظلم. ومع تطور التشريعات وتيسير الوصول إلى المحاكم، بات من الممكن للمرأة أن تتقدّم بطلباتها دون تعقيد، مستندة إلى نظام عادل ينصف المتضرر، ويحمي الكرامة.
إن معرفة المرأة بحقوقها الشرعية والقانونية، ووعيها بخطوات التقاضي، والاستعانة بمحامي مختص في الأحوال الشخصية، تمثل الركائز الأساسية التي تضمن لها الحصول على حكم عادل ينهي النزاع بأقل الخسائر الممكنة.
فلا تترددي في الدفاع عن نفسك، لأن القانون اليوم هو حليفك، والصوت الذي لا يسمح بأن تهمش حقوقك تحت أي ظرف.