في بيئة العمل الحديثة، يتصدر موضوع حماية حقوق العمال في حالة إفلاس الشركات. وبينما قد يشكل الإفلاس صدمة مالية للمنشأة، إلا أن القانون السعودي لم يغفل حقوق الموظف والعامل، بل وضع لهما نظام حماية واضح يضمن لهم مستحقاتهم، ويحدد الآليات والإجراءات اللازمة للحصول عليها.
تُعد حماية العامل ركيزة أساسية في التشريعات العمالية والأنظمة التجارية في المملكة، لما له من دور في استقرار سوق العمل، وتحقيق التوازن بين مصلحة صاحب العمل وحقوق العامل، حتى في أسوأ السيناريوهات مثل الإفلاس أو الإغلاق.
نبذة عن إفلاس الشركات
الإفلاس ليس مجرّد إعلان عن توقف النشاط، بل هو إجراء قانوني منظم يخضع لأحكام نظام الإفلاس السعودي، ويهدف إلى معالجة أوضاع المنشآت المتعثرة ماليًا، سواء من خلال تسوية ديونها، أو إعادة تنظيم أوضاعها، أو تصفيتها بطريقة تحفظ حقوق الأطراف المختلفة، ومنهم الموظفون.
بموجب النظام، تمر الشركات المتعثرة بمجموعة من الإجراءات مثل التسوية الوقائية، وإعادة التنظيم المالي، والتصفية، وكل مرحلة من هذه المراحل تُحدد فيها مسؤوليات الأطراف، ومن ضمنها العلاقة العمالية. في حال دخول الشركة في مرحلة الإفلاس رسميًا، تُعين المحكمة أمين تفليسة مسؤولًا عن إدارة أصول الشركة وسداد ديونها وفق ترتيب الأولويات المنصوص عليه في النظام.
حقوق العمال في حالة إفلاس أو حل الشركة
تُعد حقوق العمال في حالة إفلاس الشركات من الديون ذات الأولوية في النظام السعودي، حيث يلتزم أمين التفليسة والمصفي بسدادها قبل أي التزامات أخرى. ويهدف هذا التنظيم إلى حماية العمال من تبعات لا يد لهم فيها، وضمان حصولهم على مستحقاتهم رغم تعثر المنشأة.
ومن أهم حقوق العمال في حالة إفلاس الشركات هي:
الرواتب المتأخرة
يستحق العامل الحصول على جميع الرواتب التي لم تُدفع له حتى تاريخ التوقف الفعلي عن العمل. وتُدرج هذه المستحقات ضمن قائمة الديون الممتازة في التفليسة، مما يعني أن لها أولوية على الديون التجارية أو القروض البنكية، ويجب سدادها قبل سداد مستحقات الدائنين التجاريين أو غيرهم من أصحاب الديون العادية.
مكافأة نهاية الخدمة
نصّت المادة (84) من نظام العمل السعودي على أن العامل يستحق مكافأة نهاية الخدمة كاملة إذا انتهت علاقة العمل لأي سبب، ومن ذلك إفلاس المنشأة. وتُحسب المكافأة وفق سنوات الخدمة، ويجب على المصفي أو أمين التفليسة إدراجها ضمن قائمة المستحقات العمالية عند تصفية أصول الشركة.
التعويض عن الفصل
في حال تم إنهاء العلاقة العمالية دون إشعار أو مبرر مشروع بحجة الإفلاس، يحق للعامل المطالبة بتعويض عن الفصل التعسفي. ويتم احتساب هذا التعويض من قِبل المحكمة العمالية بناءً على طبيعة العقد ومدته والأجر الإجمالي.
الاشتراكات في التأمينات الاجتماعية
تبقى الشركة مُلزمة بسداد الاشتراكات المتراكمة لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ويحق للعامل المطالبة بسداد تلك المستحقات لضمان حفظ مدده التأمينية. وفي حال وجود تأخير أو تقصير، يجوز له تقديم شكوى لدى التأمينات للمطالبة بحقوقه.
الإجازات والبدلات
إذا كان للعامل رصيد إجازات سنوية لم تُصرف، أو إذا عمل ساعات إضافية لم تُعوض ماليًا، فإن هذه الحقوق تُعد من ضمن المستحقات المالية، ويجوز له المطالبة بها قانونيًا.
البدلات والتعويضات الأخرى
بعض العقود تنص على بدلات سكن، ونقل، وتعليم، وغيرها من الالتزامات، وهي تُعامل ضمن الحقوق المالية عند تصفية أو إفلاس الشركة، بشرط وجود إثبات على استحقاق العامل لها.
هل يُفصل العامل تلقائيًا عند إعلان الإفلاس؟
لا، الإفلاس لا يؤدي تلقائيًا إلى إنهاء العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل. بل تظل العلاقة قائمة حتى:
- يتم إشعار العامل رسميًا بإنهاء العلاقة،
- أو يتوقف العمل فعليًا ويتم تحريره من الالتزامات،
- أو تُصدر المحكمة حكمًا بحل الشركة وتصفيتها.
ويجب أن يتم الإنهاء وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في نظام العمل، بما في ذلك الإشعار المسبق أو تعويض العامل عن عدم الإشعار.
وفي حال الفصل الجماعي دون مراعاة للضوابط، يمكن اعتبار ذلك فصلًا تعسفيًا يُوجب تعويضًا إضافيًا للعامل.
الجهة المسؤولة عن دفع حقوق العمال
بعد صدور حكم الإفلاس، تقوم المحكمة التجارية بتعيين أمين تفليسة (أو مصفٍ قانوني) لإدارة أصول الشركة المفلسة وتسوية ديونها. ويكون هذا الأمين هو المسؤول المباشر عن:
- استلام مطالبات العمال،
- التحقق من صحتها،
- إدراجها ضمن قائمة الدائنين،
- وتسديدها حسب الأولوية النظامية.
وفي حال تبيّن وجود أموال أو أصول كافية لتغطية الحقوق العمالية، يقوم الأمين بالصرف مباشرة. وإن لم تكن هناك أصول كافية، قد لا تُسدد الحقوق كاملة، وتُقسَّم النسبة المتاحة بحسب الترتيب.
الخطوات التي يتبعها العامل لضمان حقوقه
لضمان عدم ضياع الحقوق، يُنصح العامل باتباع الخطوات التالية:
- المتابعة في سجل الإفلاس الإلكتروني: يُعلن أمين التفليسة عن بدء إجراءات التصفية ومهلة تقديم المطالبات. ويجب على العامل متابعة هذا السجل لتقديم المطالبة في الوقت المحدد.
- تقديم مطالبة رسمية: يتقدم العامل بمطالبته من خلال البوابة الإلكترونية أو مباشرة إلى أمين التفليسة، مرفقًا ما يثبت مستحقاته من عقود، رواتب، وكشوف بنكية.
- اللجوء إلى المحكمة العمالية عند النزاع: إذا تم رفض المطالبة أو تم تقليصها بشكل غير مبرر، يحق للعامل إقامة دعوى أمام المحكمة العمالية للفصل في النزاع.
- التواصل مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية: للتحقق من سداد الاشتراكات أو طلب إثبات مدد الاشتراك، وهو أمر ضروري لحفظ الحقوق التقاعدية أو التأمينية.
- الاحتفاظ بكافة الوثائق: عدم التفريط في أي مستند رسمي يثبت العلاقة التعاقدية أو يحدد الراتب والمزايا.
دور المحكمة العمالية لضمان حقوق العمال في حالة إفلاس الشركات
تلعب المحكمة العمالية في السعودية دورًا محوريًا في حماية العامل عند تعرضه للضرر بسبب إفلاس الشركة، ومن أبرز وظائفها:
- الفصل في النزاعات العمالية المتعلقة بالمستحقات المالية.
- إصدار الأحكام بإلزام المصفي أو المنشأة بدفع التعويضات.
- اعتماد التسويات التي قد تُعرض من قِبل المصفي.
- الرقابة على التزام جهة التفليسة بصرف المستحقات وفق القانون.
كما يمكن للعامل أن يُقيم دعواه بشكل إلكتروني من خلال منصة وزارة العدل (ناجز) مما يُسهل الوصول للعدالة دون عناء.
نصائح قانونية لضمان حقوقك كعامل في حالة إفلاس الشركة
- لا تنتظر انتهاء الإجراءات بالكامل لتقديم مطالبتك.
- توثق علاقتك التعاقدية بكامل عناصرها – بداية من العقد، إلى الرواتب، والسجلات الرسمية.
- في حال لم تجد تجاوبًا من المصفي، لا تتردد في التوجه للمحكمة العمالية.
- تابع وضع الشركة قانونيًا عبر سجل الإفلاس والمنصات الرسمية.
- تجنب التنازل عن أي حق مالي دون استشارة قانونية.
أهمية الاستعانة بمحامي عمالي متخصص في قضايا إفلاس الشركات
إفلاس الشركات يُعد من القضايا المعقدة، حيث يتداخل فيه القانون التجاري مع نظام العمل. لذلك، فإن وجود محامٍ عمالي لديه خبرة في قضايا الإفلاس يُساعد على:
- تقديم المطالبة بصياغة قانونية دقيقة،
- متابعة الإجراءات النظامية دون تفويت المهل،
- الترافع أمام المحكمة العمالية عند وجود نزاع،
- التفاوض مع المصفي لضمان الحصول على أفضل تسوية ممكنة.
كما أن بعض المطالبات تحتاج صياغة تفصيلية من الناحية النظامية لإثبات أحقية العامل بها، مما يُعزز أهمية الاستعانة بمتخصص.
حين تتعثر الشركات، لا تجعل حقوقك تتعثر معها
إن حماية حقوق العامل في حالات الإفلاس ليست خيارًا بل واجب قانوني صريح في النظام السعودي. وقد حرص المشرّع على ضمان هذه الحقوق من خلال إعطائها أولوية في السداد، ومن خلال صلاحيات المحكمة العمالية وأمين التفليسة. لكن المسؤولية لا تقع على النظام وحده، بل على العامل أيضًا أن يتحرك بسرعة، ويوثق مستحقاته، ويُطالب بها بشكل رسمي في الأطر النظامية المحددة. وكلما كان أكثر وعيًا بإجراءاته، كان أقرب إلى ضمان حقوقه كاملة، رغم ما قد تسببه حالات الإفلاس من تعقيد في الواقع العملي