تعد جريمة الشروع في القتل من الجرائم البالغة الخطورة في النظام الجزائي السعودي، لما تمثله من تهديد مباشر لحياة الإنسان وطمأنينة المجتمع. وعلى الرغم من أن الجريمة لم تكتمل أو تؤدي إلى الوفاة، فإن القانون لا يغفل عن خطورتها ولذلك يتم تنفيذ عقوبة الشروع في القتل بكل صرامة.
في هذا المقال، نشرح تفاصيل عقوبة الشروع في القتل في السعودية حسب كل حالة، ونستعرض أنواعها، وأركانها، وأهم الأحكام القضائية المتعلقة بها، ومتى يمكن إسقاطها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهمية الاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا الجنائية.
ما هو الشروع في القتل؟
يعرف الشروع في القتل بأنه البدء في تنفيذ فعل من شأنه أن يؤدي إلى إزهاق روح إنسان، دون أن تكتمل الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني، كأن يُنقذ المجني عليه، أو يتعطل السلاح، أو يُقبض على الجاني أثناء التنفيذ.
وقد تناول النظام الجزائي السعودي الشروع في القتل ضمن أحكام الجرائم التعزيرية، كونها لا تخضع لعقوبة حدية أو قصاص، باعتبار أن القتل لم يقع فعليًا، ولكنه كان وشيك الوقوع، ومقصودًا.
ووفقًا للفقه الإسلامي الذي يُستند إليه في القضاء السعودي، فإن الشروع في القتل قد يُعامل بعقوبة تعزيرية تترك لتقدير القاضي، مع الأخذ بعين الاعتبار درجة الخطورة والنية والقصد الجرمي.
أنواع الشروع في القتل
يقسّم القانون الجنائي الشروع في القتل إلى نوعين رئيسيين:
الشروع التام
هو أن يبدأ الجاني بتنفيذ الجريمة باستخدام الوسائل المناسبة، مظهرًا نيته الإجرامية الكاملة، ولكن يحول دون وقوع الجريمة سببٌ خارج عن إرادته، مثل إطلاق الرصاص على شخص بقصد قتله، لكن الرصاصة تخطئ الهدف أو يتم إنقاذه طبيًا.
الشروع الناقص
هو اتخاذ الجاني خطوات تحضيرية أو محاولة البدء في التنفيذ، ولكن يتوقف الجاني أو يُحبط فعله قبل أن يتجاوز مرحلة التحضير، مثل تجهيز السم لوضعه في طعام الضحية، ثم يُقبض على الجاني قبل التنفيذ.
تُعد عقوبة الشروع في القتل الناقص أخف وطأة من عقوبة الشروع التام، نظرًا لعدم اكتمال مراحل التنفيذ وخطورة الفعل في الحالة الأولى.
عقوبة الشروع في القتل في السعودية
تُعد عقوبة الشروع في القتل في السعودية من العقوبات التعزيرية التي يقدّرها القاضي بحسب ملابسات الجريمة والنية والقصد والوسيلة المستخدمة، وهي تختلف من قضية لأخرى حسب الظروف والدوافع.
قد تصل العقوبة إلى:
- السجن لمدة طويلة (قد تمتد إلى أكثر من عشر سنوات).
- الجلد في بعض الحالات، وفقًا لتقدير القاضي.
- الغرامة، أو الجمع بين أكثر من نوع من العقوبات.
وتشدد العقوبة إذا كانت الجريمة قد اقترنت بظروف مشددة، كاستخدام أسلحة نارية، أو تنفيذ الجريمة داخل منشآت عامة أو ضد مسؤولين.
كم مدة سجن الشروع في القتل في السعودية؟
عمليًا، تتراوح مدة السجن في قضايا الشروع في القتل بين 3 سنوات إلى 15 سنة، وأحيانًا أكثر، حسب ما تراه المحكمة مناسبًا لردع الجاني وحماية المجتمع، كما يؤخذ بعين الإعتبار الأمور التالية:
- مدى اقتراب الجريمة من الاكتمال.
- الوسائل المستخدمة.
- نية الجاني وسبق إصراره.
- السوابق الجنائية للجاني.
عقوبة الشروع في القتل مع سبق الإصرار والترصد
عقوبة الشروع في القتل في السعودية مع سبق الإصرار والترصد قد تصل إلى السجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وذلك حسب تقدير القاضي وظروف الجريمة.
يُعد الشروع في القتل من الجرائم التعزيرية التي لا تستوجب القصاص، لكن العقوبة تتفاوت تبعًا لخطورة الفعل والنية الإجرامية. فإذا نتج عن الجريمة إصابة أو ضرر بدني، تُطبّق أحكام الدية أو القصاص وفقًا لحجم الأذى. وعند اقتران الشروع بالإصرار والترصد، تُشدد العقوبة لاعتبارها محاولة قتل عمد، رغم عدم اكتمال الجريمة.
الحق العام في الشروع بالقتل في السعودية
قضية الشروع في القتل تشمل الحق العام والحق الخاص، إذ إن الجريمة تمس أمن المجتمع وسلامته، لذلك تتحرك النيابة العامة بموجب الحق العام، حتى في حال تنازل المجني عليه.
ويترتب على الحق العام:
- إقامة الدعوى الجنائية بحق الجاني.
- الاستمرار في الإجراءات القضائية حتى صدور الحكم، حتى مع وجود تنازل من المجني عليه في بعض الحالات.
ويؤكد القضاء السعودي على أن حماية النفس البشرية مسؤولية الدولة، ولا يجوز إسقاط عقوبة الشروع في القتل بالتنازل في كل الأحوال.
أمثلة على الشروع في القتل في السعودية
تُظهر الأحكام القضائية في السعودية تنوعًا في وقائع الشروع في القتل، ومن الأمثلة الواقعية:
- محاولة أب قتل ابنه بإطلاق النار عليه بسبب خلاف عائلي، فتم إنقاذ الابن في اللحظة الأخيرة.
- شاب يعتدي على آخر بسلاح أبيض أثناء مشاجرة، مسبّبًا له جروحًا خطيرة في الرقبة، وقدّم للمحاكمة بتهمة الشروع في القتل.
- موظف يضع مادة سامة في مشروب زميله انتقامًا، واكتُشف الأمر قبل أن يشرب الضحية.
في جميع هذه القضايا، تم التعامل معها بجدية كاملة، وأصدرت المحاكم أحكامًا بالسجن لمدد متفاوتة.
أركان الشروع في القتل في القانون السعودي
أركان الشروع في القتل في القانون السعودي تشمل ثلاثة عناصر رئيسية: الركن المادي، الركن المعنوي، وعدم تحقق النتيجة الإجرامية، ويتطلب ذلك:
الركن المادي: أن يقوم الجاني بارتكاب فعل يمثل خطرًا حقيقيًا على حياة المجني عليه، باستخدام وسيلة قاتلة أو خطيرة، على أن يكون التنفيذ قد بدأ فعلًا، لا مجرد نية أو تخطيط.
الركن المعنوي: وجود نية واضحة لدى الجاني لقتل الضحية، مع توافر القصد الجنائي الكامل حتى وإن لم تتحقق النتيجة.
عدم إتمام الجريمة: ويُشترط أن يكون عدم وقوع القتل نتيجة لسبب خارج عن إرادة الجاني، كأن يتم إنقاذ المجني عليه، أو حدوث خلل في الوسيلة المستخدمة.
التنازل عن قضية الشروع في القتل
رغم أن جريمة الشروع في القتل تشمل حقًا خاصًا للمجني عليه، إلا أن التنازل لا يؤدي بالضرورة إلى اسقاط العقوبة بالكامل، وذلك للأسباب التالية:
- استمرار الحق العام.
- طبيعة الجريمة الخطرة.
- سياسة الردع العامة.
ومع ذلك، فإن التنازل قد يؤثر على تقدير العقوبة، فيخفف القاضي الحكم إذا رأى أن التنازل ينبئ عن صلح حقيقي، خاصة إذا لم يكن للجاني سوابق.
أهمية الاستعانة بمحامي جنائي في قضايا الشروع في القتل
تعتبر قضايا الشروع في القتل من أعقد القضايا الجنائية من حيث الإثبات والدفاع، ولهذا فإن الاستعانة بمحامٍ جنائي مختص يُعد أمرًا حاسمًا.
أهمية المحامي:
- دراسة أركان الجريمة وتحليل الأدلة.
- تمثيل المتهم أو المجني عليه أمام المحكمة.
- صياغة الدفوع القانونية المناسبة.
- السعي للحصول على تخفيف العقوبة أو إثبات البراءة.
في السعودية، يتطلب التعامل مع هذه القضايا إلمامًا تامًا بالنظام الجزائي، والسوابق القضائية، والأنظمة ذات الصلة مثل نظام الإجراءات الجزائية.
الأسئلة الشائعة
هل يوجد تصالح في الشروع في القتل؟
نعم، يمكن أن يتم التصالح بين الطرفين في الشق الخاص من الجريمة، ولكن لا يُسقط الحق العام.
وقد يأخذ القاضي الصلح بعين الاعتبار لتخفيف الحكم، بشرط ألا تتوفر ظروف مشددة للجريمة.
ما هي أقصى عقوبة في جريمة الشروع في القتل؟
أقصى العقوبة لا ينص عليها النظام بشكل محدد، ولكن وفقًا للأحكام القضائية، قد تصل العقوبة إلى السجن 20 عامًا أو أكثر، خاصة في حال وجود سبق إصرار أو استعمال سلاح ناري خطير.
ما هو أخف حكم في عقوبة الشروع في القتل؟
أخف الأحكام تُصدر في حالات الشروع الناقص أو في حال التنازل والصلح، وقد تكون:
- السجن لمدة أقل من 3 سنوات.
- وقف تنفيذ العقوبة في بعض الأحوال النادرة.
- إعادة التأهيل والرقابة القضائية بدلاً من الحبس، إذا رأت المحكمة ذلك مناسبًا.
العدالة الجنائية تبدأ من الفهم القانوني السليم
تُظهر عقوبة الشروع في القتل في السعودية مدى جدية النظام العدلي في التعامل مع الجرائم التي تستهدف النفس البشرية، حتى وإن لم تُكتمل الجريمة. فالقانون يُعاقب على النية والسلوك الإجرامي متى توافرت أركان الشروع، ويمنح القاضي صلاحية تقدير العقوبة وفقًا لظروف كل واقعة.
ولأن قضايا الشروع في القتل تتطلب فهمًا عميقًا للنصوص النظامية وسوابق القضاء، فإن الاستعانة بمحامٍ جنائي متخصص تُعد خطوة أساسية لضمان الحقوق، سواء كنت ضحية تبحث عن إنصاف، أو متهمًا يسعى لإثبات براءته وفقًا لما يقرره القانون السعودي.