في السعودية، لا يُترك فعل التحرش دون ردع، ولا تُطلق الاتهامات جزافًا. سواء كنت ضحية تبحث عن الإنصاف أو متهمًا تتطلع لفهم موقفك القانوني، فإن الإلمام بعقوبة جريمة التحرش وفق النظام السعودي بات أمرًا ضروريًا. فالقانون يحدد بوضوح ما يُعد تحرشًا، ويُفرق بين أنواعه: من اللفظي والجسدي، إلى الإلكتروني والتحرش بالأطفال. كما أنه يبين العقوبات المفروضة، وشروط التشديد أو التخفيف، وآليات تقديم الشكاوى أو الدفاع القانوني. في هذا المقال، نقدم لك كل ما تحتاج معرفته لفهم الصورة الكاملة قانونيًا، من التعريفات الدقيقة وحتى الإجراءات القضائية، بلغة واضحة ومن منظور شامل يعكس جدية المملكة في حماية الأفراد وكرامتهم.
المقصود بجريمة التحرش في القانون السعودي
جريمة التحرش في القانون السعودي تُعرف بأنها كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت، بما في ذلك الوسائل التقنية الحديثة. وقد جاء هذا التعريف وفقًا لما نص عليه نظام مكافحة جريمة التحرش الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/96) وتاريخ 16/9/1439هـ.
ويهدف النظام إلى مكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبات على مرتكبيها، وحماية المجني عليه، وذلك بما يحقق خصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية المكفولة شرعًا ونظامًا.
أنواع جريمة التحرش وفقًا للنظام السعودي
لا تقتصر جريمة التحرش على فعل جنسي مباشر، بل تتعدد صورها لتشمل:
- التحرش اللفظي: ويشمل الأقوال أو العبارات ذات الإيحاءات الجنسية، سواء بشكل مباشر أو ضمني.
- التحرش الجسدي: كلمس غير مرغوب فيه أو التقرب الجسدي بطريقة تخدش الحياء.
- التحرش في بيئة العمل: استغلال النفوذ الوظيفي لتحقيق مكاسب جنسية.
- التحرش بالأطفال: أي سلوك جنسي موجّه إلى قاصر دون سن الثامنة عشرة.
- التحرش المتكرر أو الممنهج: الذي يتكرر من ذات الشخص تجاه الضحية.
- التحرش الإلكتروني: مثل إرسال رسائل ذات طابع جنسي أو صور فاضحة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.
عقوبة جريمة التحرش في السعودية
حدد نظام مكافحة التحرش في السعودية عقوبة واضحة لمرتكب الجريمة، حيث تنص المادة السادسة من النظام على أن:
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (سنتين)، وبغرامة مالية لا تزيد على (100,000 ريال سعودي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب جريمة تحرش.
وترتفع العقوبة في بعض الحالات المشددة لتصل إلى:
السجن لمدة لا تزيد على (خمس سنوات)، وغرامة لا تزيد على (300,000 ريال سعودي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حال تكرار الجريمة أو اقترانها بظروف مشددة.
عقوبة جريمة التحرش في السعودية للأجانب
في حال ارتكب المقيم أو الزائر جريمة التحرش داخل المملكة، تطبق عليه العقوبات ذاتها المذكورة في النظام، بالإضافة إلى الترحيل الإجباري من المملكة بعد تنفيذ العقوبة، وعدم السماح له بالعودة إليها.
ويُعد ذلك تطبيقًا للمادة الثامنة من نظام مكافحة التحرش التي تؤكد على اتخاذ الإجراءات النظامية بحق غير السعوديين بعد انتهاء مدة سجنهم.
عقوبة جريمة التحرش اللفظي في السعودية
رغم أن التحرش اللفظي لا يتضمن اعتداء جسديًا، إلا أنه مشمول ضمن صور التحرش المعاقب عليها. ويخضع هذا النوع للعقوبات العامة المنصوص عليها في النظام، أي:
- السجن حتى سنتين
- غرامة مالية حتى 100,000 ريال
- أو العقوبتين معًا
وتتفاوت شدة العقوبة بحسب فداحة العبارات المستخدمة، وسياق وقوع الجريمة، وسابقة الجاني إن وجدت.
عقوبة جريمة التحرش باللمس في السعودية
يُعتبر التحرش الجسدي من أشد صور التحرش، ويُعد ظرفًا مشددًا في حال تضمن ملامسة أو تقرب جسدي غير مرغوب فيه. في هذه الحالات، قد تصل العقوبة إلى:
- السجن حتى 5 سنوات
- غرامة تصل إلى 300,000 ريال
- أو كلتا العقوبتين
كما قد تُشدد العقوبة أكثر إذا كان الجاني في موقع سلطة أو استغل علاقة وظيفية أو تعليمية أو أسرية.
عقوبة التحرش الإلكتروني في السعودية
يولي النظام السعودي اهتمامًا بالغًا بمكافحة كافة أشكال التحرش، ولا سيما التحرش الذي يتم عبر الوسائل التقنية، مثل الرسائل النصية أو التطبيقات الإلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي. وقد نظم نظام مكافحة جريمة التحرش هذا النوع من الجرائم من خلال نصوص قانونية واضحة، أبرزها المادة السادسة، التي حددت العقوبات المترتبة على هذا الفعل.
وبحسب هذه المادة، فإن أي شخص يرتكب فعلًا يدخل ضمن مفهوم التحرش سواء عبر الكلام أو الإشارات ذات الطابع الجنسي باستخدام أي وسيلة تقنية، يُعاقب بما يلي:
السجن لمدة لا تتجاوز عامين، أو غرامة مالية لا تزيد على مئة ألف ريال سعودي، أو بالعقوبتين معًا، بحسب تقدير المحكمة المختصة.
ويمنح النظام القاضي المختص سلطة تقديرية لتحديد العقوبة المناسبة وفقًا لملابسات الواقعة، مع التأكيد على عدم الإخلال بأي عقوبة أشد قد تنص عليها أنظمة أخرى أو تتطلبها أحكام الشريعة الإسلامية.
تعريف التحرش الإلكتروني
يُقصد بالتحرش الإلكتروني كل تصرف يحمل طابعًا جنسيًا يصدر عبر الوسائل الرقمية أو التقنية الحديثة، مثل الرسائل النصية، أو الصور، أو المقاطع المصورة، أو الاتصالات المتكررة ذات الإيحاءات غير المرغوب فيها، والتي تستهدف شخصًا معينًا وتمس كرامته أو تخدش حياءه.
التكييف القانوني المتعدد للتحرش الإلكتروني
يجدر بالذكر أن بعض المحاكم قد تُخضع جريمة التحرش الإلكتروني لأحكام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالإضافة إلى نظام مكافحة التحرش، وذلك بحسب طبيعة الجريمة والوسائل المستخدمة. وقد ورد في المادة الثالثة من نظام الجرائم المعلوماتية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/17) وتاريخ 8/3/1428هـ، أن العقوبة تشمل:
السجن لمدة لا تزيد على سنة واحدة، أو غرامة مالية لا تتجاوز خمسمائة ألف ريال، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتكب الشخص أيًا من الأفعال الآتية:
- التعدي على خصوصية الأفراد من خلال إساءة استخدام الهواتف الذكية المزودة بكاميرات، أو غيرها من الوسائل الرقمية.
- نشر محتوى يُسيء للغير أو يؤدي إلى التشهير به أو إلحاق الضرر بسمعته باستخدام الوسائط التقنية.
ازدواج العقوبة والسلطة التقديرية
في بعض القضايا، قد يرى القاضي تطبيق العقوبات الواردة في كلا النظامين – نظام مكافحة التحرش ونظام الجرائم المعلوماتية – متى ما توفرت الأركان النظامية لكل منهما. وهذا يعني أن الجاني قد يُحاسب بموجب نصين مختلفين إن ارتكب جريمته بطريقة تنتهك أكثر من إطار قانوني، وهو ما يعكس تشدد النظام السعودي في حماية كرامة الأفراد، خاصة في الفضاء الإلكتروني.
عقوبة التحرش بطفل في السعودية
يُعد التحرش بالأطفال من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف، وفقًا لتصنيف النيابة العامة. وينظر إليه على أنه ظرف مشدد يستوجب العقوبة القصوى. وعليه، فإن العقوبات قد تصل إلى:
- السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات وقد تصل إلى عشر سنوات.
- غرامة لا تقل عن 300,000 ريال وقد تصل إلى 500,000 ريال.
- الترحيل إن كان المتهم غير سعودي.
كما يُحال المتهم إلى النيابة العامة مباشرة، ويُحرم من الامتيازات الوظيفية والحقوق المدنية.
عقوبة الشروع في ارتكاب جريمة تحرش في السعودية
لا يقتصر العقاب على من ارتكب الفعل الكامل، بل يشمل من شرع فيه، أي أعد العدة وبدأ في تنفيذه، دون أن تكتمل الجريمة لأسباب خارجة عن إرادته. وفي هذه الحالة تنص القواعد العامة للأنظمة الجزائية على أن يُعاقب الشروع بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة للجريمة التامة.
وبالتالي، فإن الشروع في التحرش قد يُعاقب بالسجن حتى سنة واحدة، وغرامة حتى 150,000 ريال.
شروط رفع دعوى تحرش في السعودية
لرفع دعوى تحرش بشكل صحيح أمام الجهات المختصة، يجب توفر الشروط التالية:
- وقوع فعل تحرش فعلي (لفظي، جسدي، إلكتروني…).
- إثبات الجريمة بأي وسيلة مشروعة (شهادة شهود، تصوير، رسائل، بلاغات).
- أن يكون المجني عليه في وضع قانوني يسمح له بالتقاضي (أو ولي أمره إذا كان قاصرًا).
- رفع الدعوى خلال مدة لا تُسقط فيها الجريمة بالتقادم، أو وجود مبرر قوي للتأخر.
إجراءات رفع دعوى تحرش في السعودية
تمر إجراءات رفع دعوى تحرش بالخطوات التالية:
- تقديم بلاغ رسمي عبر تطبيق “كلنا أمن” أو لدى مركز الشرطة أو النيابة العامة.
- تسجيل الواقعة رسميًا والتحقيق فيها من قبل الجهات المختصة.
- جمع الأدلة والإثباتات المادية أو الرقمية.
- إحالة القضية للنيابة العامة للتحقيق الموسع وتقدير مدى كفاية الأدلة.
- إحالتها للمحكمة الجزائية إذا وُجد ما يوجب المحاكمة.
- صدور الحكم القضائي بناءً على الوقائع المثبتة.
متى تسقط تهمة التحرش في السعودية؟
تسقط تهمة جريمة التحرش في حال تحقق أحد الأمور التالية:
- عدم توفر أركان الجريمة أو انتفاء القصد الجنائي.
- انعدام الأدلة التي تثبت وقوع الفعل.
- الصلح أو التنازل من المجني عليه (ويُراعى في ذلك نوع الجريمة؛ فالتحرش بالأطفال مثلًا لا يُقبل فيه التنازل).
- مرور الزمن على الجريمة (إذا كانت من الجرائم غير الجسيمة).
ويُعد إستشارة أو توكيل محامي متخصص خطوة ضرورية لضمان التعامل المهني مع القضية وحماية الحقوق القانونية للدفاع عنك سواء كنت متهما أو ضحية.
ما هو الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي؟
الفرق الجوهري بين الجريمتين يكمن في درجة الجسامة والقصد الإجرامي:
- التحرش: يشمل أي فعل أو قول جنسي غير مرغوب فيه، لا يصل لحد الإيلاج أو الاعتداء الجسدي العنيف.
- الاعتداء الجنسي: يتضمن أفعالًا جسدية أكثر جسامة، كالإيلاج أو الإجبار البدني، ويُصنف في القانون ضمن جرائم العرض والانتهاك الجنسي، وتكون عقوباته أشد بكثير (تصل إلى الإعدام في بعض الحالات).
كم غرامة جريمة التحرش في السعودية؟
تختلف غرامة جريمة التحرش بحسب نوعها وظروفها، وتشمل:
- 100,000 ريال كحد أقصى في الحالات العادية.
- 300,000 ريال كحد أقصى في حال وجود ظروف مشددة.
- 500,000 ريال أو أكثر إذا كان المجني عليه قاصرًا أو من ذوي الإعاقة.
هل طلب رقم الهاتف يعتبر تحرش؟
نعم، يُعد طلب رقم الهاتف بطريقة غير لائقة أو متكررة أو ذات دلالة جنسية صورة من صور التحرش اللفظي أو الإلكتروني، خاصة إذا رافق ذلك إلحاح، تهديد، أو تعبيرات جنسية، وهو خاضع للعقوبات المنصوص عليها في النظام.
أما إذا تم الطلب بطريقة مهذبة، وفي سياق اجتماعي مشروع، دون إيحاءات جنسية أو نية سيئة، فقد لا يُعد تحرشًا، وإنما تُقيّم الواقعة بناءً على سياقها وظروفها.
ختاما
إن مكافحة جريمة التحرش في السعودية تأتي انسجامًا مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وحمايةً لكرامة الفرد وحرمة جسده. ويُعد النظام السعودي من الأنظمة الرائدة التي أولت هذه الجريمة اهتمامًا بالغًا من حيث التجريم والعقاب والحماية الوقائية. وتبرز أهمية التوعية المجتمعية والتثقيف القانوني في الحد من هذه الظاهرة، وضمان بيئة آمنة تحترم الخصوصية وتمنع عقوبة جريمة التحرش الصارمة كل من تسول له نفسه بإرتكاب أي سلوك ينتهك حرمة الآخرين. وإن الإبلاغ الفوري والتصرف القانوني الصحيح من الضحية يمثلان حجر الأساس في محاسبة المتحرشين وبناء مجتمع يسوده الاحترام والعدل.
