في بيئة العمل المتسارعة، تُعد مسألة ساعات العمل الإضافي من أبرز الموضوعات التي تشغل اهتمام العاملين وأصحاب العمل على حد سواء. فاللجوء إلى العمل بعد انتهاء الدوام الرسمي، سواء لإنجاز مهام عاجلة أو لتعويض نقص في الأيدي العاملة، يثير تساؤلات حول حقوق الموظف، وواجبات صاحب العمل، ومدى قانونية هذا العمل، وآلية احتساب الأجر الإضافي. وقد نظّم قانون العمل السعودي هذه المسألة بشكل واضح، محددًا الضوابط والشروط التي تحكمها، حمايةً لحقوق الطرفين.
في هذا المقال، نستعرض تفصيلًا أحكام العمل الإضافي في السعودية، مع التركيز على المفاهيم الأساسية، الأجر المستحق، الشروط القانونية، والآثار المترتبة على مخالفة الأنظمة.
المقصود بساعات العمل الإضافي
يقصد بـ العمل الإضافي كل ساعة عمل يؤديها العامل بعد ساعات العمل الرسمية المقررة نظامًا. ويُعد العمل الإضافي استثناءً على الأصل الذي حدده النظام لعدد ساعات العمل اليومية والأسبوعية. وقد يكون هذا العمل بناءً على طلب صاحب العمل، أو بموافقة العامل، ويخضع ذلك لضوابط نظامية تضمن عدم استغلال العامل.
الأجر الإضافي
الأجر الإضافي هو المبلغ المالي الذي يستحقه العامل نظير أدائه ساعات عمل تتجاوز الحد النظامي. وقد قرر النظام أن يكون هذا الأجر أعلى من الأجر الأساسي بنسبة معينة تشجيعًا للعامل وتعويضًا له عن الجهد الإضافي المبذول.
وفقًا للمادة (107) من نظام العمل، فإن أجر العمل الإضافي يُحتسب على النحو التالي:
“يُدفع للعامل عن ساعات العمل الإضافية أجرٌ يُعادل أجر الساعة مضافًا إليه 50% من الأجر الأساسي لتلك الساعة.”
بمعنى آخر، إذا كان أجر العامل في الساعة العادية هو 20 ريالًا، فإن أجره في الساعة الإضافية يكون 30 ريالًا.
ساعات العمل الإضافي في قانون العمل السعودي
حدد نظام العمل عدد ساعات العمل اليومية والأسبوعية، وما زاد عن ذلك يُعتبر عملًا إضافيًا.
وفقًا للمادة (98) من نظام العمل:
- ساعات العمل اليومية: لا يجوز أن تتجاوز 8 ساعات في اليوم الواحد.
- ساعات العمل الأسبوعية: لا يجوز أن تتجاوز 48 ساعة في الأسبوع.
لكن في شهر رمضان، تنخفض ساعات العمل للمسلمين إلى:
- 6 ساعات يوميًا، أو 36 ساعة أسبوعيًا.
وعليه، فإن أي ساعة عمل تزيد على هذه الحدود تُعتبر ساعات إضافية، وتُستحق عنها أجور إضافية.
كيفية حساب ساعات العمل الإضافية في السعودية
لحساب ساعات العمل الإضافي، يجب اتباع الخطوات التالية:
- تحديد عدد ساعات العمل الأساسية اليومية (عادةً 8 ساعات).
- حساب عدد الساعات الزائدة عن هذا الحد.
- احتساب أجر الساعة الواحدة بقسمة الأجر الشهري على عدد ساعات العمل الفعلية.
- إضافة 50% من الأجر الأساسي إلى كل ساعة إضافية.
مثال عملي:
- موظف يتقاضى 6000 ريال شهريًا.
- عدد أيام العمل: 26 يومًا شهريًا.
- عدد ساعات العمل اليومية: 8 ساعات.
أولًا نحسب أجر الساعة:
- عدد الساعات الشهرية = 26 × 8 = 208 ساعة.
- أجر الساعة = 6000 ÷ 208 = تقريبًا 28.8 ريال.
ثم نحسب أجر الساعة الإضافية:
- أجر الساعة الإضافية = 28.8 + (28.8 × 0.5) = 43.2 ريال.
إذا عمل الموظف 10 ساعات إضافية خلال الشهر:
- أجر الساعات الإضافية = 43.2 × 10 = 432 ريال.
متى تطبق ساعات العمل الاضافي في السعودية
في ضوء التنظيمات التي أقرّها نظام العمل السعودي، لا يُعد كل عمل يؤديه الموظف خارج نطاق دوامه الرسمي عملًا إضافيًا بالمعنى النظامي، بل إن هناك شروطًا وحالات معيّنة يندرج فيها الجهد الإضافي ضمن إطار “العمل الإضافي” الذي يستوجب تعويضًا ماليًا خاصًا.
من أبرز هذه الحالات:
- عند تكليف الموظف بالعمل خلال أيام الراحة الرسمية أو الإجازات والأعياد.
- إذا تجاوز الموظف عدد الساعات اليومية أو الأسبوعية المحددة في النظام أو المتفق عليها في عقد العمل.
- عندما تستدعي الحاجة الطارئة أو التشغيلية بقاء الموظف بعد انتهاء دوامه، كإنهاء مهمة عاجلة أو مواجهة ظرف استثنائي.
ولضمان كفاءة الأداء وحماية صحة العامل، شدد النظام على أن الموظف لا يجب أن يعمل لأكثر من 5 ساعات متواصلة دون أن يحصل على فترة راحة لا تقل عن 30 دقيقة، علمًا بأن هذه الاستراحة لا تُحسب ضمن ساعات العمل الفعلية. وهذا يعكس التوازن الذي سعى إليه النظام بين مراعاة الجانب الإنساني للعامل وبين تلبية متطلبات بيئة العمل.
أما فيما يتعلق بإمكانية رفض الموظف للعمل الإضافي، فالأمر يخضع لعدة اعتبارات منها:
- سياسات المنشأة ولوائحها الداخلية.
- ما إذا كان العمل الإضافي اختياريًا أم إلزاميًا.
- طبيعة الظروف التي دعت إلى طلب العمل الإضافي.
في الحالات العادية، غالبًا ما يكون العمل الإضافي خاضعًا لموافقة العامل، ولا يُلزم بأدائه دون موافقة صريحة أو ضمنية، ما لم تنشأ ظروف طارئة تستدعي تدخله الفوري. ولهذا، من المهم أن يُراجع العامل عقد عمله بدقة، ويفهم ما إذا كان هناك بند يسمح لصاحب العمل بتكليفه بمهام خارج الدوام، وما المقابل المحدد لذلك.
شروط العمل الإضافي في السعودية
رغم أن الأصل في قانون العمل هو التزام العامل بساعات العمل المتفق عليها، إلا أن النظام السعودي أجاز العمل الإضافي بشروط واضحة، تشمل ما يلي:
- طلب من صاحب العمل: لا يجوز فرض العمل الإضافي دون تكليف أو طلب رسمي من جهة العمل.
- موافقة العامل (ضمنيًا أو صريحًا): يُفضل أن تكون هناك موافقة العامل، خصوصًا إذا كان العمل الإضافي خارج الظروف الاستثنائية.
- عدم تجاوز الحد الأقصى: لا يجوز أن تتجاوز ساعات العمل الإضافية 720 ساعة في السنة، إلا في حالات الضرورة وبشرط موافقة العامل.
- ألا يكون العمل الإضافي في يوم راحة العامل إلا إذا وُجدت ضرورة تشغيلية.
- الالتزام بالأجر الإضافي المنصوص عليه نظامًا.
- تدوين العمل الإضافي في سجلات العمل بوضوح.
وفي بعض المنشآت، يُشترط أن يكون التكليف بالعمل الإضافي مكتوبًا وموقعًا من إدارة الموارد البشرية أو المسؤول المباشر، ويُفضل أن يحمل الختم الرسمي للمنشأة توثيقًا لتلك الساعات، خصوصًا في حال وجود نظام رقابي داخلي صارم أو مراجعة لاحقة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
أما عن الادعاء الشائع بأن النظام يجيز لصاحب العمل تشغيل موظفيه لمدة تصل إلى 80 ساعة إضافية شهريًا دون مقابل، فهو غير دقيق. النظام ينص بوضوح على استحقاق العامل لأجر إضافي عن كل ساعة عمل تتجاوز الساعات النظامية، دون اشتراط حد أدنى لتطبيق هذا التعويض. الاستثناءات الوحيدة تتعلق بالوظائف القيادية أو الإشرافية، والتي قد تكون مستثناة جزئيًا من أحكام الأجر الإضافي إذا نصّ على ذلك عقد العمل.
هل يحق للموظف رفض العمل الإضافي؟
الأصل أن العامل غير ملزم بأداء العمل الإضافي إلا في الحالات التالية:
- الظروف الاستثنائية مثل الكوارث، أو الحوادث، أو الظروف الطارئة، والتي قد تستدعي استمرار العمل لضمان سلامة المنشأة أو الأشخاص.
- نصوص عقد العمل أو اللوائح الداخلية التي قد تتضمن التزام العامل بأداء ساعات إضافية محددة.
- موافقة العامل على العمل الإضافي بشكل صريح.
لكن خارج هذه الحالات، يحق للعامل رفض العمل الإضافي، ولا يجوز معاقبته على ذلك. كما أن إجباره عليه دون سبب مشروع يعد مخالفة يعاقب عليها النظام.
عدد ساعات العمل في اليوم الواحد في السعودية
حدد نظام العمل السعودي عدد ساعات العمل اليومي بما يلي:
- 8 ساعات يوميًا في الظروف العادية.
- 6 ساعات يوميًا خلال شهر رمضان للمسلمين.
- يمكن تقليص عدد الساعات حسب طبيعة العمل أو اتفاق الطرفين.
وفي حال توزيع ساعات العمل على نوبات (دوام صباحي ومسائي)، فيجب ألا تتجاوز 11 ساعة من التواجد في المنشأة، بما في ذلك فترات الراحة.
عقوبة عدم دفع ساعات العمل الإضافي في السعودية
تُعد الامتناع عن دفع الأجر الإضافي مخالفة صريحة لأحكام المادة (107) من نظام العمل. ويترتب عليها عدد من العقوبات، منها:
- غرامات مالية: قد تفرض وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية غرامة تصل إلى 5000 ريال عن كل عامل تم حرمانه من أجره الإضافي، وفقًا لجدول العقوبات المعتمد.
- إلزام المنشأة بسداد المستحقات المتأخرة، إضافةً إلى تعويض العامل عن الضرر.
- إيقاف خدمات المنشأة في حال تكرار المخالفة أو عدم التجاوب مع الجهات الرقابية.
- إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية في حال وجود شكوى رسمية، مما قد يؤدي إلى صدور حكم قضائي يُلزم صاحب العمل بالسداد مع الفوائد القضائية والتعويض.
وقد شددت الوزارة على ضرورة التزام أصحاب العمل بسداد الأجور في وقتها، بما فيها الأجور الإضافية، تفاديًا للجزاءات القانونية والإدارية، واذا كنت بحاجة لإسترداد حقوقك فيجب اللجوء الى محامي قضايا عمالية متخصص للدفاع عنك والزام صاحب العمل بسدادك مع التعويض والفوائد.
ختاما
إن تنظيم العمل الإضافي في نظام العمل السعودي يعكس التوازن الذي تسعى إليه الدولة بين متطلبات الإنتاج وحقوق العامل. فالنظام لم يأتِ ليمنع العمل الإضافي، وإنما ليضبطه ويضع له حدودًا عادلة تكفل حماية الكرامة الإنسانية للعامل، وتمنع الاستغلال المفرط، وتضمن التعويض المناسب عن كل ساعة يقضيها الموظف خارج نطاق عمله المعتاد.
لذا، من الضروري على كل من العامل وصاحب العمل فهم الحقوق والواجبات المتعلقة بالعمل الإضافي، والرجوع إلى العقد المبرم بين الطرفين، ولوائح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، لضمان الامتثال الكامل للنظام، وتفادي الوقوع في مخالفات قد تؤثر على بيئة العمل وسير العدالة.