تُعد عقوبة التستر التجاري من أكثر العقوبات الاقتصادية صرامة في المملكة العربية السعودية، نظرًا لما يُشكّله التستر من تهديد مباشر لنزاهة السوق وعدالة المنافسة. فالتستر التجاري لا يقتصر على مخالفة تنظيمية، بل يُعد جريمة تمس الاقتصاد الوطني وتُؤثر على فرص العمل للمواطنين. ولهذا، أولت المملكة اهتمامًا بالغًا بمكافحته عبر نظام مكافحة التستر الجديد، الذي شدد العقوبات ووسّع نطاق الرصد والضبط.
في هذا الدليل، نستعرض كل ما تحتاج لمعرفته عن أنواع التستر التجاري، أركانه القانونية، والعقوبات المترتبة عليه وفقًا للقانون السعودي، بالإضافة إلى شروط الإبلاغ، دور المحامي، والطرق العملية لحماية نفسك من الوقوع فيه. إذا كنت مستثمرًا، صاحب منشأة، أو حتى مواطنًا حريصًا على حماية السوق من هذه الممارسات، فاطّلع على التفاصيل لتكون على دراية تامة بحقوقك وواجباتك.
ما هو التستر التجاري في القانون السعودي؟
يُعرّف التستر التجاري بأنه تمكين غير السعودي من ممارسة نشاط اقتصادي محظور عليه ممارسته، سواء لحسابه الخاص أو من خلال مؤسسة أو شركة باسم السعودي أو المستثمر الأجنبي النظامي.
ويندرج تحت التستر التجاري أي ممارسة غير مشروعة يكون فيها الأجنبي هو المتصرف الفعلي في النشاط، بينما يظهر السعودي أو المستثمر النظامي شكليًا في الوثائق الرسمية فقط دون مشاركة فعلية حقيقية.
أنواع التستر التجاري
يتخذ التستر التجاري في السعودية صورًا متعددة تختلف من حيث الأسلوب وطبيعة العلاقة بين المتستر والمتستر عليه. فيما يلي أبرز أنواع التستر التجاري المعترف بها نظامًا، مع توضيح دقيق لكل نوع:
- التستر الفردي: يتمثل في تمكين الأجنبي من مزاولة نشاط تجاري باستخدام اسم أو سجل تجاري لمواطن سعودي أو مستثمر نظامي، دون أي إشراف فعلي أو مشاركة حقيقية من الأخير.
- التستر المؤسسي: ويحدث داخل الشركات والمؤسسات، حين يُمنح الوافد سلطة اتخاذ قرارات مالية أو إدارية دون أن تكون له صفة قانونية، سواء عبر التوظيف أو بوسائل غير نظامية.
- الشراكة الوهمية: هي اتفاق صوري يُسجل فيه النشاط باسم سعودي، بينما يُديره الوافد فعليًا ويتحكم في العمليات والإيرادات، رغم أنه لا يحق له الاستثمار في المملكة.
- التستر بالتسجيل: تسجيل النشاط التجاري باسم شخص لا علاقة له فعليًا بالإدارة أو التشغيل، ويكون مجرد غطاء رسمي يخفي المالك أو المدير الحقيقي للنشاط.
- التستر بالتفويض: منح الوافد تفويضًا رسميًا من المواطن لإدارة الأعمال باسم المنشأة، بما يسمح له بالتصرف الكامل وكأنه المالك، رغم أن هذا التفويض يُستخدم كوسيلة تمويه فقط.
- التستر بالوكالة: تعيين الأجنبي كوكيل رسمي لإدارة النشاط، في حين يكون المواطن غائبًا تمامًا عن الإدارة، دون وجود إفصاح عن العلاقة الحقيقية بين الطرفين.
- التستر من خلال التأجير الصوري: كأن يؤجر المواطن منشأته أو محلّه لوافد، مع إبقاء التراخيص والسجل التجاري باسمه فقط، بينما يتحمل الوافد الإدارة والمخاطر الفعلية.
- التحكم في الحسابات البنكية: حين يدير الأجنبي حسابات المنشأة ويجري التحويلات المالية والإيداع والسحب دون علم أو إشراف من صاحب النشاط النظامي.
- التصرف في وثائق المنشأة: امتلاك الوافد لوثائق تجارية حساسة كالعقود والفواتير، وتوقيع المواطن عليها دون مراجعة حقيقية، مما يُضعف سيطرته على نشاطه.
- تحويل الأرباح لحسابات خاصة: توجيه أرباح المنشأة إلى حسابات بنكية تابعة للأجنبي بدلًا من الحسابات الرسمية للنشاط، بهدف إخفاء المستفيد الحقيقي.
- التصرف غير النظامي في الأرباح: توزيع أو استخدام الأرباح من قِبل الأجنبي دون وجود صفة قانونية تتيح له ذلك، ما يثبت أنه صاحب المصلحة الفعلي.
- التستر الإلكتروني: ويشمل الأنشطة التجارية الرقمية، كإدارة متجر إلكتروني باسم سعودي، في حين يكون الأجنبي هو من يدير العمليات ويتحكم في المبيعات.
- استخدام السجل التجاري في أنشطة غير مرخصة: استغلال الأجنبي لسجل المواطن لممارسة أنشطة مثل الوساطة أو السمسرة دون الحصول على التراخيص النظامية المطلوبة.
عقوبة التستر التجاري في القانون السعودي
تُعد عقوبة التستر التجاري من أقوى الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لحماية الاقتصاد ومكافحة الممارسات غير النظامية في السوق. وقد نص نظام مكافحة التستر الجديد (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 بتاريخ 1 محرم 1442هـ، وساري منذ أغسطس 2021) على عقوبات صارمة تطال كل من يثبت تورطه، سواء من المواطنين أو المقيمين.
تشمل العقوبات النظامية ضد أي شخص يُدان بالتستر التجاري ما يلي:
- السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات.
- غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال سعودي.
- مصادرة الأموال والمكاسب غير المشروعة.
- إغلاق المنشأة المتورطة نهائيًا أو مؤقتًا.
- إلغاء التراخيص وشطب السجل التجاري.
- الحرمان من مزاولة النشاط التجاري لمدة تصل إلى 5 سنوات.
- نشر الحكم القضائي على حساب المخالف في الوسائل الرسمية.
عقوبة التستر التجاري لأول مرة
في حال كانت المخالفة للمرة الأولى، يتم تطبيق نفس العقوبات الأساسية، وقد يُراعي القاضي الظروف المخففة أو المشددة بحسب طبيعة الجريمة، وتشمل:
- السجن من 3-5 سنوات
- غرامة مالية قد حتى 5 ملايين ريال سعودي وقد يتم تخفيفها.
- العقوبتين معًا.
كما تُفرض العقوبات التبعية مثل إغلاق المنشأة، الشطب من السجلات، ومنع مزاولة النشاط.
عقوبة التستر التجاري للأجانب (المتستر عليهم)
إذا كان المتستر عليه وافدًا أجنبيًا، فتُطبق عليه العقوبات التالية:
- الإبعاد النهائي من المملكة بعد تنفيذ الحكم.
- المنع من العودة إلى السعودية نهائيًا.
- مصادرة الأرباح والأصول الناتجة عن التستر.
- الحرمان من التراخيص أو دخول السوق السعودي مستقبلًا.
كيف تُحدد عقوبة التستر التجاري؟
عند نظر المحكمة في القضية، يأخذ القاضي في الاعتبار عدة عوامل مهمة لتحديد مستوى العقوبة، منها:
- حجم النشاط التجاري الذي تم التستر عليه.
- العائد المالي الذي جناه المتستر أو المتستر عليه.
- مدة ممارسة النشاط تحت غطاء التستر.
- الآثار السلبية على السوق والاقتصاد المحلي.
- عدد المتورطين ومدى التنظيم أو التكرار في المخالفة.
تنبيه مهم: العقوبة لا تقتصر على الطرفين الرئيسيين فقط
يؤكد النظام أن العقوبات تشمل كل من شارك أو ساعد أو سهّل جريمة التستر التجاري، سواء كانوا أفرادًا أو كيانات أو وسطاء، وتُطبّق عليهم ذات العقوبات حسب دورهم في الجريمة.
أركان جريمة التستر التجاري في القانون السعودي
لتحقق جريمة التستر التجاري، لا بد من توافر مجموعة من الأركان القانونية التي تُبنى عليها الإدانة، وتشمل:
1. الركن المادي:
- وجود علاقة ظاهرية قانونية بين المتستر والمتستر عليه (مثل سجل تجاري باسم المواطن).
- قيام الأجنبي بإدارة النشاط أو جني أرباحه فعليًا.
- استخدام وسائل التمويه مثل الحسابات البنكية أو العقود الصورية.
2. الركن المعنوي (القصد الجنائي):
- العلم والإرادة من قبل المتستر بتمكين الأجنبي من النشاط المحظور.
- توافر نية تحقيق الربح أو تسهيل بقاء المتستر عليه داخل السوق السعودي.
3. الركن النظامي:
وجود نص نظامي يجرّم التستر التجاري ويُعاقب عليه (نظام مكافحة التستر).
أسباب انتشار التستر التجاري في السعودية
على الرغم من جهود المكافحة المستمرة، إلا أن التستر لا يزال موجودًا في بعض القطاعات، ويُعزى ذلك إلى عدة أسباب، منها:
- غياب الرقابة الفعلية من قبل بعض أصحاب الأنشطة على أعمالهم.
- التكلفة التشغيلية العالية على المستثمر النظامي مقارنةً بالوافد الذي قد يُمارس النشاط بتكلفة أقل.
- رغبة البعض في تحقيق دخل سلبي دون عمل مباشر عبر تمكين الوافد من إدارة المشروع مقابل رسوم شهرية.
- نقص الوعي القانوني بخطورة التستر وعواقبه.
- استغلال بعض الوافدين ثغرات إدارية أو تنظيمية.
الأسئلة الشائعة
أجبنا عن أكثر الأسألة شيوعا عن جريمة التستر التجاري وهي:
كم مخالفة التستر التجاري؟
كل حالة تستر تُعد مخالفة مستقلة، ويُنظر في كل حالة وفقًا لحجم النشاط، ومدى الضرر، وعدد المتورطين، ولكنها بشكل عام قد تصل الى 5 ملايين ريال سعودي. وتُصدر العقوبات بناءً على:
- عدد مرات التكرار.
- حجم الإيرادات والأرباح.
- نوع النشاط وأثره في السوق.
كم مكافأة التبليغ عن التستر التجاري؟
يمنح نظام مكافحة التستر مكافأة مالية تصل إلى 30٪ من الغرامة المحصلة من المخالف، بشرط أن يؤدي البلاغ إلى صدور حكم نهائي بالإدانة. وتُصرف المكافأة بعد انتهاء جميع الإجراءات.
كيفية الإبلاغ عن تستر تجاري؟
يمكن الإبلاغ من خلال الوسائل التالية:
- عبر تطبيق “بلاغ تجاري” التابع لوزارة التجارة.
- من خلال الموقع الإلكتروني لوزارة التجارة.
- الاتصال بمركز البلاغات الموحد: 1900.
- التبليغ الشخصي في فروع وزارة التجارة في مختلف المناطق.
هل التستر التجاري موجب للتوقيف؟
نعم، تُعد بعض حالات التستر التجاري من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، خاصة إذا كانت:
- ذات طابع منظم.
- أُرتكبت من خلال عصابة أو شبكة.
- تنطوي على تستر بمبالغ مالية كبيرة أو في قطاعات حساسة.
- ارتبطت بجرائم أخرى، مثل غسل الأموال أو التهرب الضريبي.
هل التستر التجاري يشمله العفو؟
بحسب التعليمات، فإن التستر التجاري لا يُعتبر من الجرائم التي يشملها العفو العام عادةً، إلا في حالات استثنائية، وفقًا لما تقرره النيابة العامة بالتنسيق مع الجهات المعنية.
كيف يتم إثبات التستر التجاري في السعودية؟
يتم إثبات التستر التجاري من خلال وسائل عدة، منها:
- البلاغات الرسمية من المواطنين أو المقيمين أو الجهات الرقابية.
- تحليل التعاملات المالية المشبوهة، مثل استخدام حسابات بنكية بأسماء سعوديين يديرها وافدون.
- التحقيقات الميدانية والمراقبة الإدارية.
- مراجعة البيانات الضريبية والزكوية.
- الإفادات والشهادات من الموظفين أو الشركاء.
- الربط التقني بين الجهات الحكومية الذي يُظهر التباين بين النشاط الفعلي والبيانات الرسمية.
ما هي شروط الإبلاغ عن التستر التجاري؟
لكي يكون البلاغ عن التستر صحيحًا، يجب أن يتضمن:
- بيانات المبلغ وهوية المتستر والمتستر عليه (إن أمكن).
- وصف دقيق للحالة وأدلة أولية.
- تفاصيل النشاط التجاري محل الاشتباه (اسم المحل، العنوان، نوع النشاط).
- رفع البلاغ عبر القنوات الرسمية المخصصة.
البلاغات تُحفظ بسرية تامة وتتم معالجتها بسرية كاملة من قبل البرنامج الوطني لمكافحة التستر.
ما هو دور مكاتب وشركات المحاماة في قضايا التستر التجاري؟
تلعب شركات ومكاتب المحاماة دورا محوريا في قضايا التستر التجاري، ومنها:
- تمثيل الموكل أمام النيابة والمحاكم التجارية.
- صياغة الردود القانونية والدفاع عن المتهم.
- التفاوض في حالات التسوية أو الإعفاء إن كانت متاحة.
- تحليل الأدلة ومواجهة قرائن الاتهام.
- تقديم المشورة لتفادي الوقوع في شبهات التستر مستقبلاً.
واذا أردت التعرف على أبرز شركات المحاماة في السعودية أو تتواصل مع أيا منهم اقرأ مقالنا السابق أفضل 5 شركات محاماة في السعودية.
ما هي علامات التستر التجاري؟
يمكن التعرف على التستر التجاري من خلال عدة مؤشرات، منها:
- الأجنبي هو من يدير النشاط فعليًا ويتخذ القرارات المالية.
- المواطن أو المستثمر لا يعلم شيئًا عن سير العمل أو الإيرادات.
- استخدام الأجنبي لحساب بنكي باسم المواطن.
- إصدار فواتير أو عقود بأسماء وهمية أو غير حقيقية.
- عدم قدرة المواطن على تقديم توضيح دقيق عن أنشطة منشأته.
كيف تحمي نفسك من التستر التجاري؟
لحماية نفسك كمستثمر أو تاجر، احرص على ما يلي:
- الإشراف الفعلي والمباشر على نشاطك التجاري.
- فتح حسابات بنكية مستقلة للمنشأة وعدم تسليمها لأي شخص.
- توثيق العلاقة التعاقدية مع أي شريك أو عامل وافد.
- طلب الاستشارة القانونية عند تعيين الأجانب أو إبرام عقود التشغيل.
- التحديث المستمر لبيانات السجل التجاري والأنشطة.
- تفادي توقيع أوراق أو فواتير لا تعرف محتواها.
البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري لضمان نزاهة السوق
في إطار رؤية المملكة 2030، أطلقت الحكومة السعودية البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري كجهة مركزية تُنسّق الجهود بين الجهات المعنية بمكافحة التستر، ومنها وزارة التجارة، وهيئة الزكاة، والنيابة العامة، والجهات الأمنية.
أهداف البرنامج:
- تحسين البيئة التنافسية في السوق السعودي.
- حماية المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الممارسات الضارة.
- تحفيز الامتثال بالنظام من خلال الإعفاء الذاتي المؤقت.
- تطبيق الرقابة الذكية وربط الأنظمة الحكومية.
- تفعيل العقوبات بفعالية وسرعة على المخالفين.
يُشجع البرنامج أيضًا على الإبلاغ الذاتي عن التستر، حيث يمنح المتورطين فرصة لتصحيح أوضاعهم دون عقوبات ضمن فترة زمنية محددة، بشرط التعاون التام.
ختاما
يمثّل التستر التجاري أحد أكبر التحديات التي تهدد نمو الاقتصاد السعودي وعدالة السوق، وقد اتخذت المملكة خطوات حازمة لمحاربته من خلال تشريعات قوية وبرامج رقابية فعالة. ومع أن بعض الأشخاص قد لا يُدركون خطورة التستر، إلا أن العقوبات الواردة في النظام تؤكد أن التعامل معه بمنتهى الجدية لم يعد خيارًا، بل ضرورة.
لذا، فإن الالتزام بالتشريعات، والوعي بالمخاطر، وطلب الاستشارة القانونية عند الشك، يُعدّ من أهم وسائل الحماية القانونية للمستثمر والمنشأة. وإذا كنت شاهدًا أو متضررًا أو لديك شك في حالة تستر، فالمبادرة بالإبلاغ لا تحمي السوق فحسب، بل تضعك في جانب المسؤولية الوطنية.