تعد الرشوة من أخطر أشكال الفساد التي تقوض العدالة وتضعف الثقة في المؤسسات، لما لها من تأثير مباشر على مبدأ تكافؤ الفرص وسلامة القرارات الإدارية. وقد وضعت المملكة العربية السعودية إطارًا قانونيًا صارمًا لعقوبة جريمة الرشوة، عبر نظام يجرّم كافة أطراف الجريمة ويغطي مختلف صورها. يستعرض هذا المحتوى الأبعاد القانونية والتنظيمية للرشوة، مع التركيز على عقوبة جريمة الرشوة في النظام السعودي، التي تتنوع بين السجن، والغرامة، والمصادرة، والتشهير. كما يتناول المقال أركان الجريمة، حالات الإعفاء، ودور النظام الجديد في حماية النزاهة داخل القطاعين العام والخاص، دعمًا لأهداف الحوكمة والشفافية.
المقصود بالرشوة في القانون السعودي
تُعد الرشوة من أخطر الجرائم الجنائية التي تمس نزاهة الوظيفة العامة، وتهدد الثقة في مؤسسات الدولة، وتؤثر على العدالة والمساواة بين المواطنين. وفي النظام السعودي، عُرفت الرشوة بأنها: “قيام موظف عام بطلب أو قبول مال أو منفعة أو وعد بذلك، لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباتها” ، ويكون ذلك بهدف تحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة.
كما تعرف وفقا لنظام مكافحة الرشوة بأنها: كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا الامتناع مشروعا، يعد مرتشيا ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بما وعد به.
عقوبة جريمة الرشوة في القانون السعودي
نص النظام السعودي على عقوبات صارمة بحق كل من يثبت ارتكابه لجريمة الرشوة، سواء أكان مرتشيًا أو راشيًا أو وسيطًا، وتتضمن العقوبات ما يلي:
- الحبس لمدة تصل إلى عشر سنوات.
- غرامة مالية تصل إلى مليون ريال سعودي.
- مصادرة الأموال أو المنافع المتحصلة من الجريمة.
- الفصل من الوظيفة العامة (في حال كان الجاني موظفًا عامًا).
- الحرمان من التعيين في الوظائف العامة مستقبلًا.
- التشهير، حيث يجوز الحكم بنشر الحكم القضائي في وسائل الإعلام على نفقة المحكوم عليه.
وتُطبق هذه العقوبات بحسب نوع الفعل المرتكب، ومدى تأثيره، والمصلحة التي تم الإخلال بها، وما إذا كان الموظف قد أخلَّ بأداء واجباته أو أساء استغلال سلطته.
ما هي أركان جريمة الرشوة؟
لقيام جريمة الرشوة في النظام السعودي، يجب توافر الأركان التالية:
- الركن المادي: ويتمثل في السلوك الإجرامي، كطلب الرشوة أو قبولها أو عرضها أو التوسط فيها، سواء تم تسليم المال أو تحقق المنفعة أم لا.
- الركن المعنوي: وهو القصد الجنائي، بأن يكون الجاني مدركًا لفعله، مريدًا له، ساعيًا لتحقيق منفعة شخصية غير مشروعة، مقابل أداء وظيفة عامة أو الامتناع عنها.
- الركن المفترض: ويُقصد به أن يكون الجاني موظفًا عامًا أو ممن في حكمهم، وأن يكون الفعل متعلقًا بأعمال وظيفته أو اختصاصه.
ويُقصد بالموظف العام في النظام السعودي كل من يشغل وظيفة في جهة حكومية أو شبه حكومية أو منظمات دولية تعمل داخل المملكة، أو الشركات المملوكة للدولة بنسبة تتجاوز 25%.
متى تسقط جريمة الرشوة؟
تسقط جريمة الرشوة وفقًا لأحكام نظام الإجراءات الجزائية ونظام مكافحة الرشوة في الحالات التالية:
- بالتقادم: إذا مضت مدة عشر سنوات على ارتكاب الجريمة دون تحريك الدعوى الجزائية، تُعد الجريمة ساقطة بالتقادم، إلا إذا قُطعت هذه المدة بأي إجراء قضائي.
- بالعفو الملكي الخاص أو العام: يمكن أن تسقط العقوبة أو تُخفف بمرسوم ملكي، وفقًا لشروط يحددها العفو.
- بموت المتهم: تنقضي الدعوى الجزائية بوفاة المتهم، إلا أن آثار الجريمة تبقى قائمة، كاسترداد الأموال المتحصلة من الرشوة.
- إذا أبلغ الراشي أو الوسيط عن الجريمة قبل اكتشافها: في حالات معينة، إذا تقدم أحد الأطراف بإبلاغ الجهات المختصة قبل اكتشاف الجريمة، يُعفى من العقوبة، كما سيأتي تفصيله لاحقًا.
واذا واجهت اتهام بالرشوة فيجب عليك استشارة محامي متخصص للحفاظ على حقوقك وإثبات براءتك.
جريمة عرض الرشوة في القانون السعودي
عرض الرشوة يُعد جريمة مستقلة في حد ذاته، حتى وإن لم تُقبل من الطرف الآخر. فقد نص نظام مكافحة الرشوة على أن من “عرض على موظف عامًا رشوة ولم تُقبل منه، يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات أو بغرامة تصل إلى مليون ريال أو بهما معًا”.
ولا يشترط تحقق النتيجة أو قبول الموظف للعرض، بل يكفي مجرد التقدم بالعرض بقصد التأثير في قرارات الموظف أو أداء مهامه على نحو غير قانوني. ويُعامل العرض غير المقبول بنفس درجة الخطورة القانونية للجريمة التامة، باعتباره يمثل اعتداءً على مبدأ نزاهة الوظيفة العامة.
حكم الرشوة للعسكري
يعاقب العسكري في النظام السعودي عند ارتكابه لجريمة الرشوة، سواء كان فردًا أو ضابطًا. فإذا ثبت ارتكابه لفعل الرشوة، سواء طلبًا أو قبولًا أو توسطًا، فإنه يُعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في النظام، مع تطبيق العقوبات العسكرية التأديبية الإضافية التي تقررها الجهات المختصة.
وقد نصت بعض التعاميم واللوائح الخاصة بالقوات المسلحة والجهات الأمنية على إجراءات صارمة بحق العسكري الذي يثبت بحقه التورط في قضايا الرشوة، ومن ذلك:
- الفصل من الخدمة العسكرية.
- سحب الرتبة.
- الحرمان من المستحقات التقاعدية في بعض الحالات.
- إحالته للمحاكمة الجنائية أمام الجهات المختصة.
نظام الرشوة الجديد
شهد نظام مكافحة الرشوة في السعودية تعديلات جوهرية في السنوات الأخيرة لتعزيز النزاهة والشفافية، ومن أبرز ملامح النظام المعدل:
- توسيع مفهوم الموظف العام ليشمل العاملين في الشركات التي تملك الدولة أكثر من 25% من رأس مالها.
- إدخال مفهوم الرشوة في القطاع الخاص، حيث أصبح بإمكان الجهات القضائية محاكمة من يطلب أو يقدم رشوة في القطاع الخاص، إذا أخلّ ذلك بالثقة العامة أو النزاهة المالية.
- تعزيز الحماية للمبلغين عن الرشوة، وتوفير قنوات آمنة للإبلاغ عن الفساد.
- تجريم الرشوة غير المباشرة، كأن تتم عبر وسيط أو باستخدام منصات أو وسائل إلكترونية.
- السماح بالمصادرة والتشهير كعقوبات تكميلية، لتكون رادعة ولها أثر اجتماعي.
ما هي عقوبة الراشي في القانون السعودي؟
الراشي هو الشخص الذي يقدم المال أو المنفعة أو الوعد بها بهدف التأثير على الموظف العام. ويُعاقب الراشي في النظام السعودي بالسجن لمدة تصل الى عشر سنوات وغرامة مالية لا تزيد عن مليون ريال سعودي أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويجوز إعفاء الراشي من العقوبة إذا بادر بالإبلاغ عن الجريمة قبل اكتشافها، شريطة أن يؤدي بلاغه إلى كشف الجريمة وضبط باقي المتورطين فيها.
عقوبة طلب الموظف العام لرشوة
يُعد طلب الموظف العام لرشوة سواء قبل أو بعد أداء العمل الوظيفي جريمة مكتملة الأركان، ويُعاقب عليها بالسجن والغرامة كما في حالة القبول. ويُعامل الطلب بنفس خطورة الفعل التام، لما فيه من إخلال بنزاهة الوظيفة العامة.
ويُشدد القضاء العقوبة في الحالات التي يكون فيها الطلب مصحوبًا باستغلال النفوذ أو التهديد أو التأثير غير المشروع على الأطراف.
عقوبة عرض الرشوة
من يعرض رشوة على موظف عام، سواء قُبل العرض أم لا، يُعاقب بالسجن أو الغرامة أو كليهما، ويُعامل الجرم كفعل جنائي مستقل حتى دون استجابة الموظف.
ويُشدد القضاء العقوبة في الحالات التالية:
- إذا كان العرض بهدف التأثير على قرار سيادي أو حساس.
- إذا صاحب العرض استخدام وسائل إلكترونية للتضليل أو الإخفاء.
- إذا ثبت تكرار الفعل أو وجود سوابق جنائية.
عقوبة الوسيط في جريمة الرشوة
الوسيط هو من يتدخل بين الراشي والمرتشي لتسهيل الجريمة أو إتمام الصفقة أو نقل المنفعة. ويُعد شريكًا أصيلًا في الجريمة، وتُطبق عليه ذات العقوبات المقررة للراشي أو المرتشي، وهي:
- السجن حتى عشر سنوات.
- غرامة مالية تصل إلى مليون ريال.
- التشهير ومصادرة المكاسب غير المشروعة.
ولا يُخفف عن الوسيط لمجرد كونه ناقلًا للرشوة أو مجرد وسيط سلبي، بل يُشترط إثبات خلوه من القصد الجنائي لإعفائه.
متى يعفى الوسيط من الاتهام بجريمة الرشوة في القانون السعودي؟
يمكن إعفاء الوسيط من العقوبة في حال توافرت الشروط التالية:
- إذا بادر بالإبلاغ عن الجريمة قبل اكتشافها، وأسهم في ضبط المرتشي والراشي.
- إذا ثبت أن الوسيط تعرض للإكراه أو التهديد، ولم يكن له يد حقيقية في إتمام الجريمة.
- إذا كانت مشاركته شكلية دون علمه بحقيقة الفعل، كأن يكون مجرد ناقل دون قصد أو علم.
ويُشترط أن يكون الإعفاء بقرار قضائي يصدر بناءً على وقائع التحقيق والمحاكمة، ولا يُقبل الإعفاء تلقائيًا لمجرد الادعاء بالتعاون.
الخاتمة
تمثل جريمة الرشوة تحديًا كبيرًا للدولة والمجتمع، لما تحمله من تهديد مباشر لمبادئ العدالة والمساواة والنزاهة. وقد جاء النظام السعودي متكاملًا في نصوصه ومحدثًا في إجراءاته ليضع حدًا حاسمًا لهذا السلوك المدمر، مع ضمان معاقبة جميع المتورطين، سواء كانوا مرتشين أو راشين أو وسطاء. كما أتاح النظام فرصًا للإعفاء المشروط والوقاية، بما يضمن فعالية العدالة وردع الفساد. ومن المهم أن تعي المؤسسات والأفراد على حد سواء خطورة هذه الجريمة، وتلتزم بالإبلاغ عنها، وتعزيز ثقافة الشفافية في جميع التعاملات.